"بما صبروا" هذا حال عباد الرحمن

الصورة
آية أولئك يجزون الغرفة بما صبروا
آية أولئك يجزون الغرفة بما صبروا

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا (75)} [الفرقان]. 

"بما صبروا" 

الأفعال التي أوردها الحق سبحانه وتعالى في محضر وصفه لعباده المباركين تتضمن التزاما بأخلاق معينة وسلوكيات راقية، واجتنابا لنواهي ومحرمات وتوبة نصوحا وأعمالا صالحة يختمها دعاء خالص لوجهه تعالى، أما مؤشر رجاء هؤلاء العباد وبوصلة أفعالهم فهو {…وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. 

ثم يأتي بعد سرد هذه الأفعال إعلان النتيجة، متمثلة بالفوز العظيم بالدرجة العالية من درجات الجنة لهؤلاء العباد المكرمين، بما فعلوا.. لا! ليس بما فعلوا! بل بما صبروا. 

وفي ذلك إشارة واضحة إلى أمر مهم جدا ينبغي لنا أن ندركه بعد أن نستوضح معنى الصبر. 

الصبر يعني فيما يعنيه الثبات على الحق والمثابرة والعزم على تحقيق الهدف مهما بلغت شدة الابتلاء ومهما تأخرت الثمار المرجوة للعمل أو الفعل. والمثابرة والعزم هنا تعني عدم التوقف عن المواجهة والفعل والمدافعة وبذل الجهد والبحث عن الوسائل "الصالحة شرعا" الكفيلة بتحقيق الغاية متوكلين على الله، ثابتين على منهجه، محسنين الظن فيه وواثقين من حكمته وعدله مهما تأخر قطف الثمار. 

مثال ذلك، الرجل يسعى في عمل حلال باذلا ما في وسعه، ولكن الرزق يتأخر والحال يضيق! ما الحل؟ هل يقنط وييأس ويضع يده على خده؟ أم يبحث عن مواضع الخلل في مسيرته فيسدد ويقارب ويستشير ويناور حتى يأذن الله بالفتح؟! 

ذلك هو الصبر في طلب الرزق 

يمر العاصي بظرف صعب يدفعه نحو التوبة، فيستغفر الله ويبذل جهده لترك المعصية والتزام الطاعة متأملا التيسير والفرج من الله، ولكن الظرف الصعب ما زال يقض مضجعه ويزلزل كيانه والمعاصي تحوم حوله وتشده شدا نحوها، فما العمل؟ 

إنما هو الصبر، وكيف ذلك؟! نقطع دابر المعصية بالابتعاد عنها والانشغال بالإحسان في البحث عن حل للظرف الصعب والتمسك بالدعاء إلى الله. 

ومن الأمثلة المعهودة كذلك أن نرى بعضا من الآباء يجتهدون في تربية الأبناء، فيقدمون لهم كل ما في وسعهم من موارد وتجارب وخبرات ونصح وينتظرون من أبنائهم ما تقر به العين ويرتاح له القلب، ولكن هذا قد لا يتحقق بالصورة التي يطمح لها الآباء، فترى الكثير منهم ينكب على وجهه ويقنط من رحمة الله ويتخذ موقفا سلبيا من أبنائه المقصرين، وقد كان الأجدر به أن يصبر فيراجع منهجه ويحسن أداءه ويسعى دائبا لتوجيه أبنائه والأخذ بأيديهم صابرا ومحتسبا إلى الله حتى يأتي اليوم الذي يتحقق فيه رجاؤه وتقر به عينه بإذن الله. 

وهكذا في كل أفعال الخير والمعروف، حيث لا نجد الثمار المباشرة لفعل الخير إلا نادرا، وقد وعد الله المؤمنين بالثمار الحقيقية المؤكدة في جنان الخلد، وكذلك وعدهم بالنصر والتمكين في الحياة الدنيا على النحو الذي يقرره سبحانه بموجب عدله وفضله وحكمته وبالكيفية التي يحددها. 

ولذلك جاء البيان القرآني واصفا حال عباد الرحمن بالصبر "بما صبروا" ليفتح الباب لمزيد من الإصرار والعزيمة والمثابرة وحسن الظن بالله. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].

اقرأ المزيد.. نحن والمعاني.. مقال الدكتور ليث أزهر

الأكثر قراءة
00:00:00