ولادة حزب جديد في بريطانيا: جيرمي كوربن يكسر هيمنة الحزبين الكبيرين

الصورة
جيرمي كوربن الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني خلال مشاركته في فعالية منددة بالحرب على غزة 17/6/2024 | المصدر: gettyimages
جيرمي كوربن الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني خلال مشاركته في فعالية منددة بالحرب على غزة 17/6/2024 | المصدر: gettyimages

جيرمي كوربن سياسي مناضل مناصر لحرية فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة

آخر تحديث

في تطور سياسي بارز على الساحة البريطانية، أعلن الزعيم السابق لحزب "العمال" البريطاني جيرمي كوربن تشكيل حزب سياسي جديد، بالشراكة مع النائبة المستقلة زارة سلطانة، في خطوة تعكس تصاعد الغضب داخل التيار اليساري من توجهات حزب العمال بقيادة كير ستارمر، وتأتي في وقت يشهد فيه المشهد السياسي في بريطانيا تحولات واضحة نحو التعددية وتراجع هيمنة الحزبين الكبيرين.

حزب جيرمي كوربن الجديد.. ورؤية مغايرة

أعلن كوربن وزميلته سلطانة في بيان مشترك تشكيل حزب سياسي يساري جديد، لم يحسم اسمه حتى الآن، وقالا: "لقد حان الوقت لحزب سياسي من نوع جديد، جذوره في المجتمعات والنقابات والحركات الاجتماعية".
ودعا البيان إلى "إعادة توزيع شاملة للثروة والسلطة"، والتزام بإنهاء كافة مبيعات الأسلحة إلى "إسرائيل"، ودعم "فلسطين حرة ومستقلة".

وفي ظل تنامي السلطوية، والعنصرية، وخصخصة القطاع العام، والدعم البريطاني لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، تشكل هذه المبادرة تطورا مهما لبعث سياسة بديلة في بريطانيا.

صحيفة "Morning Star" وصفت هذه الولادة السياسية بأنها "يقظة لا يمكن تجاهلها"، مؤكدة:

"لا أحد ينبغي أن يغمض عينيه عن ولادة حركة يسارية بهذا الحجم".

كسر هيمنة الحزبين الكبيرين

يأتي تأسيس الحزب الجديد في ظل تآكل هيمنة حزبي "العمال" و"المحافظين"، حيث شهدت انتخابات تموز 2024 صعود أحزاب مثل "الإصلاحيين" بزعامة نايجل فاراج، وحزب "الديمقراطيين الأحرار"، إضافة إلى تنامي دعم حزب "الخُضر". 

هذا التفتت يعكس تحول النظام السياسي البريطاني تدريجيا نحو التعددية، ويفتح المجال أمام تشكيلات جديدة لتملأ الفراغات الأيديولوجية القائمة.

هذا وقد أعلن كوربن في منشور عبر حسابه على منصة "إكس" بأن 600 ألف شخص سجلوا للانضمام إلى الحزب الجديد.

قطيعة تامة مع حزب العمال

كوربن، البالغ من العمر 76 عاما، استبعد من حزب العمال في عهد كير ستارمر بعد رفضه القبول الكامل بنتائج تحقيق رسمي حول معاداة السامية داخل الحزب خلال فترة قيادته. 

وكان قد أعلن سابقا نيته الترشح كمستقل في الانتخابات العامة لعام 2024 بعد أن رفض حزب العمال ترشيحه، وفاز بمقعده في إزلنغتون نورث، الذي يمثله منذ أكثر من أربعة عقود.

زارة سلطانة.. من التمرد إلى الشراكة

زارة سلطانة، التي انتُخبت نائبة عن حزب العمال في 2019، كانت قد علقت عضويتها في الحزب بعد تصويتها ضد قانون مثير للجدل بشأن دعم الأطفال، لتنضم لاحقا إلى كوربن في تأسيس الحزب الجديد. وقالت عبر منصة "إكس" إن الاسم المتداول "حزبكم" ليس الاسم الرسمي، بل مجرد اسم لموقع التسجيل، وأكدت أن المشروع يحمل طموحا لبناء بديل ديمقراطي حقيقي في عموم بريطانيا.

التوجهات السياسية للحزب الجديد

يتخذ الحزب الجديد موقعا يساريا واضحا أكثر من حزب العمال، سواء في قضايا: 

  • الضرائب. 

  • التأميم والهجرة.

  •  موقفه من "إسرائيل"، حيث يطالب بوقف جميع أشكال الدعم العسكري لها. 

وأعرب كوربن عن رفضه لأسلوب "التحكم المركزي" الذي يميز قيادة حزب العمال حاليا، وقال:

"هذا الحزب سيكون قائما على القاعدة الشعبية، بقيادة المجتمع، ومنفتحا... وسيكون ممتعا".

تحديات مبكرة وآفاق مستقبلية

ورغم أن الحزب لم يطلق رسميا بعد، فإن المؤشرات الأولية تدل على اهتمام شعبي لافت، حيث قال كوربن إنهم تلقوا "600 طلب دعم كل دقيقة". 

ومن المتوقع أن يعقد المؤتمر التأسيسي في الخريف، على أن يتم خلاله صياغة السياسات الأساسية. وقد يخوض الحزب أول اختبار حقيقي في الانتخابات المحلية المقبلة في أيار 2026، والتي تشمل انتخابات مجالس لندن ومدن رئيسية أخرى تعد بيئة خصبة له.

تأثير محتمل على حزب العمال

يعاني حزب العمال من انقسامات داخلية، خاصة بعد تعليق عضوية عدد من نوابه بسبب اعتراضهم على إصلاحات ستارمر في ملف الرعاية الاجتماعية. ومع بروز حزب كوربن الجديد، قد يتسبب ذلك في خسارة "العمال" لمقاعد عديدة، حتى إن لم يكن بشكل مباشر لصالح الحزب الوليد، مما يزيد الضغوط على قيادته لمراجعة سياساتها. 

رغم أن فرص نجاح هذا الحزب الجديد لا تزال غير مؤكدة، فإن ظهوره يمثل تحديا حقيقيا للنظام السياسي القائم في بريطانيا، ويعكس حجم التوترات داخل التيار اليساري، خصوصا بشأن الموقف من فلسطين، وسياسات الرفاه، وإعادة توزيع الثروة. 

كوربن وسلطانة يراهنان على تعبئة الشارع من القاعدة، ويأملان في أن يشكل حزبهما بديلا حقيقيا يعيد الروح إلى اليسار البريطاني.

من هو جيرمي كوربن؟

ولد جيريمي كوربن في 26 أيار 1949 في بلدة تشيبنهام بمقاطعة ويلتشير في إنجلترا، التحق بحزب العمال منذ مراهقته، وكان ناشطا في حملات مناهضة التسلح النووي وحقوق الإنسان منذ أيام المدرسة. 

بدأ جيرمي كوربن مسيرته السياسية بتطوع في جامايكا ثم العمل في نقابات العمال، قبل انتخابه عضوا في مجلس بلدية هارينغي في لندن عام 1974 عن عمر ناهز 25 عاما. بعد ذلك، انتُخب عضوا في البرلمان عن دائرة إزلنغتون نورث في 1983، وظل يمثلها لأربعين عاما تقريبا. 

عرف جيرمي كوربن بمواقفه التصعيدية تجاه الحروب، وكان من أبرز المعارضين لحرب العراق، وترأس تحالف "كفى للحرب" من 2011 حتى 2015. كما تألق بدوره في حملات نزع السلاح، ودعم القضية الفلسطينية، والحقوق العمالية والاجتماعية.

في أيلول 2015، أصبح رئيسا للمعارضة بتصويته كزعيم لحزب العمال بنسبة 59% من الأصوات، في مفاجأة كبرى في المشهد السياسي البريطاني حينها، تبنى أجندة يسارية جذرية تشمل تأميم الخدمات العامة وفرض ضرائب على الأغنياء ووقف مبيعات الأسلحة. 

رغم تصاعد قاعدة الحزب العضوية خلال قيادته، شهد بالانتخابات سلسلة هزائم، أبرزها انتخابات 2019 التي خسر فيها حزبه حوالي 60 مقعدا وفاز بـ202 مقعد فقط، وهي أسوأ نتيجة منذ عقود. 

في تشرين أول 2020، جمدت عضويته بسبب خلافات حول تعامل الحزب مع قضايا معاداة السامية، رغم تأكيده أن الأمر مفسر سياسيا. 

تبعًا لذلك، أصبح جيرمي كوربن نائبا مستقلا في البرلمان، ونجح في إعادة انتخابه في دائرة إزلنغتون نورث عام 2024 كمرشح مستقل وقد أطلق عليه مؤخرا التحالف المستقل (Independent Alliance) بالتعاون مع مشرعين مستقلين. 

اقرأ المزيد.. ليز تراس ثالث إمرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا

دلالات
00:00:00