المدير العام السابق لمركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي
الضفة الشرقية والضفة الغربية.. مصطلح استعماري انتدابي

لم يسلم الأردن في يوم من الأيام من الاستهداف الصهيوني بأي حال من الأحوال، لا من خلال الأطماع الجغرافية، ولا من خلال السياسيات التوسعية، ولا من المناكفات السياسية والتأليب العالمي، وخصوصا في داخل دولة الانتداب البريطاني ضد الأردن وملك الأردن المؤسس، وكل هذه الممارسات التي كانت العصابات الصهيونية تقوم بها ضد الأردن وحدوده واستفزاز وإشعال الازمات لغلق الحدود ومحاصرة الأردن بأي طريقة كانت زمن إنشاء الدولة 1921، حيث أرسل الملك عبد الله الأول رسالة الاحتجاج التي تبين التعديات التي تقوم بها العصابات الصهيونية ضد الأردن وخصوصا بعد إعلان الاستقلال، ولا يخفي اليهود أطماعهم في شرقي الأردن واحلامهم التي سحقت زمن ليلة ساكب وفي طرد المستعربين لشراء أراضي الأردن وفي حرب عام 1948 ومعركة الكرامة ويوم الجولان.
الأردن في دائرة الأطماع الصهيونية
لقد كانت مطامع الحركة اليهودية التوسعية في الفترة الواقعة بين أعوام 1917-1920 تركز على المطالبة بالأراضي الضرورية للزراعة والصناعة، والمناطق التي تكفل السيطرة الاستراتيجية على مداخل فلسطين الرئيسة لحماية فلسطين عسكريا، ولذلك تمسكت الصهيونية العالمية بضرورة ضم شرقي الأردن إلى الوطن القومي اليهودي، الذي حصلوا عليه من وزير خارجية إنجلترا (بلفور) في وعده الخبيث ليس حبا فيهم بل للتخلص منهم في أوروبا.
وقد ظهر ذلك جليا دون لبس، وواضحا دون غموض في أدبيات الحركة الصهيونية؛ حيث نشرت مجلة (فلسطين) وهي بالمناسبة مجلة صهيونية كانت تحمل اسم فلسطين بعد إعلان الإدارة العسكرية في فلسطين سنة 1917 احتجاجا ضد فصل شرقي الأردن عن المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن من وعد بلفور وهيجت الشعوب العربية ضد الفصل بأنه جاء نتيجة تنازل عن فلسطين، علما بأن فلسطين احتلت عام 1919 وشرق الأردن تأسس سياسيا عام 1921.
ففي سنة 1919 شرحت تلك المجلة أهمية شرقي الأردن لمستقبل الدولة اليهودية حيث نشرت:
"لشرق الأردن أهمية حيوية من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية لفلسطين اليهودية، وإن مستقبل فلسطين اليهودية برمته يتوقف على شرق الأردن، فلا أمن لفلسطين إلا إذا كان شرق الأردن قطعة منها؛ لأن شرق الأردن هو مفتاح التحسن الاقتصادي لفلسطين".
الأردن بين الاستقلال ومعارضة الصهيونية
ثارت ثائرة الحركة الصهيونية، عندما منحت الإدارة البريطانية إمارة شرقي الأردن عام 1946 الاستقلال، إثر تصريح (بيفن Bevin) وزير خارجية بريطانية الاستقلال الثاني بعد استقلال الإمارة عام 1923 والذي مكن شرقي الأردن، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 كانون الثاني 1946، أن تنسلخ بهذا الجزء من بلاد الشام إلى الشرق من نهر الأردن، وجعلها دولة مستقلة ذات سيادة، فأعلن الصهاينة وقوفهم صفا واحدا خلف (الوكالة اليهودية) التي كانت تحاول بكل قوة شراء الأراضي في شرقي الأردن، في قيادتها لمعركة الكفاح من أجل (الحقوق القومية اليهودية)، في شرقي الأردن وفشلت فشلا ذريعا.
أشار عدد من الكتاب الصهاينة في إطار حملة إعلامية لمهاجمة قرار الإدارة البريطانية آنف الذكر، إلى الناحية القانونية، لمسألة فصل شرقي الأردن عن دولتهم المستقبلية "إسرائيل" إلى أن السيد الأوحد على شرقي الأردن يجب أن يكون الشعب اليهودي بلا منازع.
واعتبروا إنشاء شرقي الأردن كدولة مستقلة دون الحصول على موافقة الحركة الصهيونية، ممثلة للشعب اليهودي، خرقا فاضحا للقانون الدولي، في الوقت نفسه الذي راحت فيه صحيفة (The Jewish Standard)، تتحدث في مقالتها عن (أردننا Our Jordan) مستخفة بدولة شرقي الأردن وشعبها، مؤكدة أن وعد بلفور اعتبر نهر الأردن بمنزلة (النهر الفلسطيني) اليهودي، وليس حدود دولة ترسمها الإدارة البريطانية لإرضاء رغبات أصدقائهم العرب، على حساب المسألة اليهودية، والحق التاريخي للشعب اليهودي.
وصف البروفسور (Klausner) منح بريطانيا الاستقلال لشرقي الأردن بأنه اعتداء على كرامة التاريخ اليهودي، ووصفه بـ (السرقة The Robbery)، ثم ناشد اليهود أن لا ينسوا هذه الفعلة (الأثيمة)، وفي إطار الحملة الصهيونية على استقلال شرقي الأردن، انضم (حزب مزراحي)، إلى صفوف المنظمة الصهيونية الجديدة، ووافق بحماس على قرارها بـ (إن الأمة اليهودية لن توافق أبدا على سلخ شرقي الأردن عن جسد فلسطين (اليهودية) التي تربطها صلات تاريخية وجغرافية واقتصادية، ولا يستطيع أي تصريح –نسبة إلى تصريح بيفن– أن يغير من إيمان كل فرد يهودي بأن الأرض الواقعة شرقي نهر الأردن، تؤلف جزءا لا يتجزأ من وطنه الأم ودولة المستقبل للشعب اليهودي.
الأردن في الفكر اليهودي والصهيوني
وجرى توزيع عشرات الآلاف من النسخ من قصيدة "جابوتنسكي" التي جاء فيها: "نهر الأردن له ضفتان، واحدة لنا، وكذلك الأخرى"؛ فتوحد الشعور الديني لدى اليهود، وتناسى الصهيونيون خلافاتهم، في سبيل الإعراب عن رفضهم لفصل "شرق النهر" عن "أرض الميعاد"، التي يطمعون بالاستيلاء عليها، تحت راية مزاعم التوراة والتاريخ والتراث والوطن القومي اليهودي المزور، وراحت الصحافة الصهيونية، تعلن صراحة عن (حركة المقاومة اليهودية)، التي تتألف من "الهاغاناة والأراغون وشتيرن" (المحاربون في سبيل حرية إسرائيل)، واعتبرت كل يهودي على أرض فلسطين عضوا في "حركة مقاومة" فصل شرقي الأردن عن الوطن اليهودي ومنحه الاستقلال.
حفريات مزعومة وفشل إثبات الوجود اليهودي
ومع هذه الأطماع اليهودية التي لا تخفى على صبيان الكتاتيب؛ فإننا نجد في التوراة اليهودية التصريح: "أن اليهود لم تطأ أقدامهم أرض أدوم (الأردن)؛ وهي التي تمتد من وادي الحسا شمالا إلى العقبة جنوبا بما فيها مرتفعات الشراة المحيطة بالبتراء.
ومن المعلوم بداهة أن كل المحاولات اليهودية على إيجاد حفريات ذات صلة باليهود في فلسطين والأردن باءت بالفشل الذريع، وقد صرح بذلك كثير من علماء الآثار اليهود والغربيين ومن أشهرهم "إسرائيل فلنتشتاين" من جامعة تل أبيب، والتي نشرت أفكاره ونتائج عمله.
لقد تعامل الأردنيون في الفترة ما بين 1880 وحتى 1936 مع الوكالة اليهودية على أنها مشروع تنموي كما كانت تعرف على نفسها بأنها جاءت لتحويل الأراضي القاحلة إلى جنات وزروع، وكان أكبر اهتمام لها هو القبائل البدوية الكبيرة –وقد قامت بالكثير من الزيارات لمضاربهم في الأردن– في الوقت الذي لم تكن هنالك دولة أنشئت بعد اسمها "إسرائيل" اغتصبت أرض فلسطين فطردت شر طردة بعد انكشاف أمرهم.
الموقف الأردني الرافض للمطامع الصهيونية
في 23 آذار 1933، أصدرت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني الرابع بيانا جاء فيه:
"أيها الشعب الأردني العربي الكريم: ليس لك وأنت حفيد أولئك الأجداد الأباة الذين لا تلين لهم قناة، أن ندعوك إلى اليقظة والانتباه، إزاء المطامع الصهيونية الخطرة التي نشطت في الآونة الأخيرة، إلى العمل في بلادنا العربية الخالصة، فأرسلت سربا من الدعاة والدساسين الصهيونيين ليجتمعوا إلى بعض الناس لإغرائهم، واستمداد معونتهم وليوهموا الصهيونيين الشعب الأمريكي بسهولة استعمار شرقي الأردن، ولاستدرار الأموال منهم، وقد عجبنا لتلك الوفود التي يرسلونها إلى هذه البلاد، متسترين بالأزياء العربية كأنهم لا يحسبون للعواقب الوخيمة حسابا، وغير مدركين أن البلاد من أقصاها إلى أقصاها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء مطامع الصهيونية الخائنة وأمانيها الكاذبة".
وأضاف البيان:
"إن الصهيونية الماكرة، سوف تعرف نتائج أطماعها في هذه البلاد، إن الشعب العربي في شرقي الأردن، وهو الذي لا يجهل مهمته المقدسة في صيانة طريق الحرمين الشريفين (شرقي الأردن) وحماية العروبة والإسلام من مطامع الاستعمار اليهودي وطغيانه. هذا الشعب الذي ما زال يجول في عروقه دم الأجداد الأباة الراقدين في أراضيه المقدسة سيبقى أبد الآبدين محافظا على ميثاقه (الوطني)، واقفا لخصوم بلاده بالمرصاد".
وكان "مناحم بيغن" رئيس وزراء الدولة اليهودية ومنذ كان زعيما لمنظمة "أرغون تساغي ليوسي" وفي كل مناسبة يأتي فيها ذكر شرقي الأردن- يقول: "الأراضي التي يحتلها العدو".
وتضمنت المذكرة الرسمية التي قدمتها المنظمة اليهودية لمؤتمر السلام أطماعا واضحة:
"من أيام التوراة الأولى والسهول الخضراء الواقعة شرق نهر الأردن وبأنها مرتبطة من النواحي الاقتصادية والسياسية ارتباطا وثيقا بالأرض الواقعة غرب نهر الأردن، وإن شرق الأردن القليل السكان حاليا (وقت إصدار المذكرة) كان على أيام الرومان آهلا مزدهرا، وهو قادر اليوم على استقبال المستعمرين على نطاق واسع. وإن تطوير الزراعة في شرق الأردن يجعل من اتصال فلسطين بالبحر الأحمر وبناء موانئ صالحة في خليج العقبة ضرورة ملحة، وإن العقبة كانت منذ أيام (سليمان النبي) فصاعدا نهاية طريق تجاري هام".
وفي نشيد منظمة الشباب اليهودي "البيتار" والتي تؤمن بأن الإنسان أمامه خياران لا ثالث لهما: الحرب أو الموت، وأن رسالة الدولة اليهودية تقوم على السيف وحده، يقولون: لنهر الأردن ضفتان: الضفة الغربية لنا، والضفة الشرقية لنا.
الأردن كان وسيبقى الشوكة التي تؤرق الحلم الصهيوني الاستعماري في المنطقة، منذ زمن مملكة مؤاب وميشع منذ زمن الحارث الثالث في البتراء وزمن النهضة العربية التي قادها الحسين بن علي في سبيل التحرر منذ عقل عبد الله الأول الذي قال: حليب الإبل ولا أموال اليهود، والحسين الذي قال: نحن للعرب الدرع والسيف، وعبد الله الثاني الذي قال: لكم على العهد بأن يبقى هذا الوطن عزيزا كريما.. من كتابي الجديد "الأردن إدارة الحكم والقيادة والأزمات".
اقرأ المزيد.. خطة "ينون" وقطف الثمار: ملامح المشروع الصهيوني لتفكيك المنطقة وتمهيد الهيكل الثالث