اللجنة الملكية لشؤون القدس: الاحتلال يضيق على مسيحيي القدس ويقوض حرية العبادة في الأعياد

الصورة
قوات الاحتلال تعتقل أحد الرهبان في محيط كنيسة القيامة بمدينة القدس المحتلة | أرشيفية
قوات الاحتلال تعتقل أحد الرهبان في محيط كنيسة القيامة بمدينة القدس المحتلة | أرشيفية
آخر تحديث

في وقت يحتفل فيه المسيحيون حول العالم بعيد الميلاد المجيد، تبدو الصورة في القدس مختلفة ومثقلة بالألم، حيث تتقاطع قدسية المكان مع واقع الاحتلال، ويتحول العيد إلى مناسبة لتذكير العالم بما تتعرض له المدينة المقدسة وأهلها من حصار وتضييق وانتهاك ممنهج للحقوق الدينية والإنسانية، في ظل صمت دولي مقلق وانشغال إقليمي متسارع.

القدس في زمن الأعياد: مدينة تحت الحصار

قال أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله كنعان إن احتفالات المسيحيين بعيد الميلاد هذا العام تأتي فيما تعيش مدينة القدس واقعا مؤلما من الحصار والتضييق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، في انتهاك صارخ لقدسية المدينة ومكانتها الدينية والتاريخية، بوصفها مدينة السلام ومهد الرسالات.

سياسات الاحتلال: اضطهاد شامل بلا تمييز

وأوضح كنعان، في تصريحات صحفية، أن القدس باتت اليوم واقعة بين مطرقة الاحتلال وسندان التهجير و"الأسرلة" والاعتقالات والاقتحامات المتكررة، مؤكدا أن الاحتلال لا يميز في سياساته القمعية بين مسيحيين ومسلمين، ولا بين مقدساتهم، فجميع الفلسطينيين يخضعون لنهج واحد قائم على الاضطهاد والتضييق وتغيير الهوية.

استهداف الوجود المسيحي وتزييف الرواية

وأشار كنعان إلى تراجع أعداد المسيحيين في فلسطين من نحو 150 ألف نسمة عام 1948 إلى قرابة 45 ألفا في الوقت الحاضر، لافتا إلى أن الاحتلال ينظر إلى الوجود المسيحي في القدس بوصفه جسرا ينقل الرواية الفلسطينية إلى الغرب، ما يدفعه إلى محاصرته عبر تشويه الحقائق وترويج رواية صهيونية مزيفة.

أعباء اقتصادية ومصادرة للمقدسات

وبين أن المسيحيين في القدس يواجهون أعباء اقتصادية جسيمة، في مقدمتها الضرائب الباهظة، وعلى رأسها ضريبة "الأرنونا" المفروضة على الكنائس، إضافة إلى تجميد الحسابات المصرفية ومصادرة الممتلكات والأوقاف، فضلا عن نشاط جمعيات استيطانية، مثل "عطيرت كوهينم"، في الاستيلاء على العقارات الوقفية المسيحية بذرائع الإيجار أو ادعاءات الملكية.

قيود على العبادة وانتهاك للحرية الدينية

وأضاف كنعان أن اللجنة الملكية لشؤون القدس، وبمناسبة عيد الميلاد المجيد، تلفت انتباه الرأي العام الدولي إلى خطورة سياسات حكومة الاحتلال التي تكرس مناخ الكراهية، حيث تمنح الحرية للمستوطنين في أعيادهم، بينما يمنع المسيحيون من الوصول إلى أماكنهم المقدسة في القدس عبر تعقيد إجراءات التصاريح، وحصرها بكبار السن، ونشر الحواجز العسكرية، وتنفيذ الاعتقالات التعسفية، ومنع مسيحيي الضفة الغربية من دخول المدينة، فضلا عما يتعرضون له من إساءات في البلدة القديمة.

حرية العبادة الغائبة تحت الاحتلال

وأكد كنعان أن حرية العبادة والاحتفال بالأعياد، التي كفلتها القوانين الدولية والقرارات الأممية والشرائع السماوية، تبقى غائبة في ظل الاحتلال الذي يسعى إلى فرض القدس عاصمة مزعومة له، مستغلا انشغال العالم بالأزمات الإقليمية والإنسانية، ولا سيما العدوان المستمر على قطاع غزة.

جذور الوجود المسيحي في فلسطين

ويعد الوجود المسيحي في فلسطين من أقدم وأعمق الحضور الحضاري والديني في التاريخ الإنساني، إذ يعود إلى القرون الأولى للمسيحية، ويرتبط بالمكانة الروحية العالمية للقدس وبيت لحم والناصرة. وقد شكل المسيحيون الفلسطينيون عبر التاريخ مكونا أساسيا في النضال الوطني وركيزة اجتماعية وثقافية، قبل أن يتعرضوا لسياسات ممنهجة من التهميش والتهجير وطمس الهوية.

تراجع ديموغرافي بفعل النكبة والاحتلال

وقبل نكبة عام 1948، شكل المسيحيون الفلسطينيون نحو 12.5% من سكان فلسطين التاريخية، ولم يبق منهم اليوم سوى 1.2%، وأقل من 1% في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة سياسات القمع والتهجير، حيث هجر نحو 90 ألف مسيحي فلسطيني خلال النكبة، وأغلقت عشرات الكنائس، وارتكبت مجازر بحق المدنيين، من بينها مجزرة فندق سميراميس في القدس، وإعدام مدنيين في قرية عيلبون.

الكنائس تحت القصف في غزة

وخلال حرب الإبادة على قطاع غزة، قصفت "إسرائيل" كنيستي القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس وكنيسة العائلة المقدسة للكاثوليك، إضافة إلى مؤسسات كنسية، مثل المستشفى المعمداني والمركز الثقافي الأرثوذكسي العربي، كما دمرت بيوت المسيحيين ونزحوا إلى الكنائس، ما أدى إلى مقتل 44 مسيحيا فلسطينيا جراء القصف المباشر، فضلا عن ضحايا آخرين بسبب انعدام الغذاء والدواء.

بيت لحم تحت الحصار

كما تتعرض مدينة بيت لحم لهجمة استيطانية شرسة، حيث تحاصرها الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري من كل الجهات، وتصادر الأراضي المملوكة لمسيحيين فلسطينيين لتوسيع المستوطنات، ما أدى إلى تقلص مساحة المدينة من 37 كيلومترا مربعا إلى 7.3 كيلومترات مربعة فقط.

استهداف الكنائس ورجال الدين في القدس

وتواجه الكنائس في القدس هجمة غير مسبوقة، من تجميد حسابات البطريركيات وفرض ضرائب مخالفة للوضع التاريخي القائم، وصولا إلى الحجز على ممتلكات الكنيسة الأرمنية، فضلا عن الاعتداءات المتكررة على رجال الدين وتدنيس الكنائس والمقابر والرموز المسيحية من قبل المستوطنين والمتشددين.

مسلمون ومسيحيون واقع واحد تحت الاحتلال

وتبقى الحقيقة الأوضح أن واقع حياة الفلسطينيين، من مسيحيين ومسلمين، تحت الاحتلال الإسرائيلي واقع مرير، استنزف قدراتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، وهدد وجودهم التاريخي والإنساني في أرضهم، في ظل غياب العدالة الدولية واستمرار سياسات القمع والتهجير. 

اقرأ المزيد.. مخاطر استيطانية تهدد أراضي مطار قلنديا

00:00:00